الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال القاضي أبو محمد: و{حقيق على} هذا معناه جدير وخليق، وقال الطبري: قال قوم: {حقيق} معناه حريص فلذلك وصلت ب {على}، وفي هذا القول بعد، وقال قوم: {حقيق} صفة لرسول تم عندها الكلام، وعلى خبر مقدم و{أن لا أقول} ابتداء تقدم خبره، وإعراب {أن} على قراءة من سكن الياء خفض، وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع، وقال الكسائي في قراءة عبد الله: {حقيق بأن لا أقول}، وقال أبو عمرو في قراءة عبد الله: {حقيق أن أقول} وبه قرأ الأعمش، وهذه المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الذي أمر عليه السلام به.وقوله: {قد جئتكم ببينة من ربكم} الآية، البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة هنا أدل، وهذا من موسى عرض نبوته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدالة على الصدق.وظاهر الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط، ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل، وذكره لعله يخشى أو يزكى ويوحد كما يذكر كل كافر، إذ كل نبي داع إلى التوحيد وإن لم يكن آخذًا به ومقاتلًا عليه، وأما إن دعاه إلى أن يؤمن ويلتزم جميع الشرع فلم يرد هذا نصًا، والأمر محتمل، وبالجملة فيظهر فرق ما بين بني إسرائيل وبين فرعون والقبط، ألا ترى أن بقية القبط وهم الأكثر لم يرجع إليهم موسى أبدًا ولا عارضهم وكان القبط مثل عبدة البقر وغيرهم وإنما احتاج إلى محاورة فرعون لتملكه على بني إسرائيل. اهـ.
ومعناه وتشقى الضياطرة بالرماح انتهى، هذا الوجه وأصحابنا يخصُّون القلب بالشعر ولا يجيزونه في فصيح الكلام فينبغي أن ينزه القراءة عنه، وعلى هذا يصير معنى هذه القراءة معنى قراءة نافع، قال الزمخشري: والثاني أن ما لزمك لزمته فلما كان قول الحق حقيقًا عليه كان هو حقيقًا على قول الحقّ أي لازمًا له، قال الزمخشري: والثالث أن يضمن {حقيق} معنى حريص تضمين هيجني معنى ذكرني في بيت الكتاب انتهى يعني بالكتاب كتاب سيبويه والبيت: قال الزمخشري: والرابع وهو الأوجه وإلا دخل في نكت القرآن أن يغرق موسى عليه السلام في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام لاسيما وقد روى أنّ عدوّ الله فرعون قال لما قال: {إني رسول من رب العالمين} كذبت فيقول أنا حقيق على قول الحقّ أي واجب على قول الحق أنْ أكون أنا قائلة والقائم به ولا يرضى إلا بمثلي ناطقًا به انتهى ولا يتّضح هذا الوجه إلا إن عنى أنه يكون {على أن لا أقول} صفة كما تقول أنا على قول الحقّ أي طريقي وعادتي قول الحق، وقال ابن مقسم {حقيق} من نعت الرسول أي رسول حقيق من ربّ العالمين أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق وهذا معنى صحيح واضح وقد غفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعليق {على} برسول ولم يخطر لهم تعليقه إلا بقوله: {حقيق} انتهى.وكلامه فيه تناقض في الظاهر لأنه قدّر أولًا العامل في {على} {أرسلت}، وقال آخر: إنهم غفلوا عن تعليق {على} برسول فأما هذا الآخر فلا يجوز على مذهب البصريين لأنّ رسولًا قد وصف قبل أن يأخذ معموله وذلك لا يجوز وأما التقدير الأوّل وهو إضمار أرسلت ويفسره لفظ رسول فهو تقدير سائغ وتناول كلام ابن مقسم أخيرًا في قوله عن تعليق على برسول أي بما دلّ عليه رسول، وقرأ عبد الله والأعمش حقيق أن لا أقول بإسقاط على فاحتمل أن يكون على إضمار على كقراءة من قرأ بها واحتمل أن يكون على إضمار الباء كقراءة أبيّ وعلى الاحتمالين يكون التعلّق بحقيق.ولما ذكر أنه رسول من عند الله وأنه لا يقول على الله إلا الحق أخذ يذكر المعجزة والخارق الذي يدلّ على صدق رسالته والخطاب في {جئتكم} لفرعون وملائه الحاضرين معه ومعنى {بينة} بآية بينة واضحة الدلالة على ما أذكره والبينة قيل: التسع الآيات المذكورة في قوله: {في تسع آيات إلى فرعون وقومه}، قال بعض العلماء وسياق الآية يقتضي أن البينة هي العصا واليد البيضاء بدليل ما بعده من قوله: {فألقى عصاه} الآية، وقال ابن عباس والأكثرون هي العصا وفي قوله: {من ربّكم} تعريض أن فرعون ليس ربًّا لهم بل ربهم هو الذي جاء موسى بالبينة من عنده {فأرسل} أي فخل والإرسال ضد الإمساك {معي بني إسرائيل} أي حتى يذهبوا إلى أوطانهم ومولد آبائهم الأرض المقدسة وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي وانقرض الأسباط غلب فرعون على نسلهم واستعبدهم في الأعمال الشاقة وكانوا يؤدّون إليه الجزاء فاستنقذهم الله بموسى عليه السلام وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخل فيه موسى أربعمائة عام والظاهر أن موسى لم يطلب من فرعون في هذه الآية إلا إرسال بني إسرائيل معه وفي غير هذه الآية دعاؤه إياه إلى الإقرار بربوبية الله تعالى وتوحيده قال تعالى: {فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى} وكل نبي داع إلى توحيد الله تعالى، وقال تعالى حكاية عن فرعون: {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} فهذا ونظائره دليل على أنه طلب منه الإيمان خلافًا لمن قال إنّ موسى لم يدعه إلى الإيمان ولا إلى التزام شرعه وليس بنو إسرائيل من قوم فرعون والقبط ألا ترى أن بقية القبط وهم الأكثر لم يرجع إليهم موسى. اهـ.
أو لأن ما لزِمك فقد لزِمتَه، أو للإغراق في الوصف بالصدق، والمعنى واجبٌ عليّ القولُ الحقُّ أن أكون أنا قائلُه لا يَرضَى إلا بمثلي ناطقًا به، أو ضُمّن حقيقٌ معنى حريص، أو وُضِعَ على موضعَ الباءِ لإفادة التمكنِ كقولهم: رميتُ على القوس وجئتُ على حال حسنةٍ، ويؤيده قراءة أبي بالباء وقرئ {حقيق أن لا أقول} وقوله تعالى: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ} استئنافٌ مقرِّرٌ لما قبله من كونه رسولًا من رب العالمين وكونِه حقيقًا بقول الحقِّ ولم يكن هذا القول منه عليه الصلاة والسلام وما بعده من جواب فرعون إثرَ ما ذكر هاهنا بل بعد ما جرى بينهما من المحاورة المحكيةِ بقوله تعالى: {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا} الآيات، وقوله تعالى: {وَمَا رَبُّ العالمين} الآيات، وقد طُوي هاهنا ذكرُه للإيجاز، ومِنْ متعلقة إما بجئتُكم على أنها لابتداء الغايةِ مجازًا وإما بمحذوف وقع صفةً لبينة مفيدةً لفخامتها الإضافية المؤكدةِ لفخامتها الذاتية المستفادةِ من التنوين التفخيمي، وإضافةُ اسمِ الرب إلى المخاطبين بعد إضافتِه فيما قبله إلى العالمين لتأكيد وجوبِ الإيمان بها {فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إسراءيل} أي فخلّهم حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسةِ التي هي وطنُ آبائِهم وكان قد استعبدهم بعد انقراضِ الأسباطِ يستعملهم ويكلفهم الأفاعيلَ الشاقة فأنقذهم الله تعالى بموسى عليه الصلاة والسلام وكان بين اليوم الذي دخل يوسفُ مصرَ واليومِ الذي دخله موسى عليهما السلام أربعُمائة عام، والفاءُ لترتيب الإرسالِ أو الأمرِ به على ما قبله من رسالته عليه السلام ومجيئِه بالبينة. اهـ.
|